01 - 11 - 2025

رشقة أفكار | هيّا بنا نلعب .. ونحطم تماثيل المصريين القدماء!

رشقة أفكار | هيّا بنا نلعب .. ونحطم تماثيل المصريين القدماء!

عادل حمودة والباز أكدا أن تكلفة إنشاء المتحف  مليار دولار وحواس يقول مليارين ، فأي الرقمين أدق؟
المتسلفون والمتأخونون لم يجدوا في المتحف عيبًا فقالوا: التشبه بالفراعنة حرام !
زخم الإفتتاح أشاع البهجة  في الروح المصرية فأبعدوا إلى فندق الذاكرة الغلاء الفاحش وزيادة أسعار البنزين والوقود والطعام !
المصريون اتفقوا على أن المتحف مشروع قومي حقيقي واختلفوا على  التفريعة والقصور الرئاسية وأكبر جامع وأكبر كنيسة .
المنافقون إخوان الشياطين ومفسدة الحكام .. لكن هل كلنا مشروع منافق إذا حانت الفرصة؟
لم يتنكر المصريون لصاحب الفكرة فاروق حسني رغم انه عامل المثقفين كحيوانات أدخلهم حظيرة الدولة !

كل عصر يستدعي أشراره! المنافقون جزء آساسي من منظومة "الشر" العام! المنافقون "إخوان الشياطين "، والجملة هنا - المسبوكة بالمصادفة لا عن عمد - تجمع بين إثنين من أسوا الأنواع في الكون . على الأقل بالنسبة لنا في مصر: الإخوان والشياطين؟ (يثور عندي سؤال هل هناك شيطان واحد .. رجيم ، أم أن هناك مجموعة شياطين؟! هل ثار عند أحدكم يومًا ما؟!)

- لم أكن "أنتوي" الكتابة عن مشروع المتحف المصري الكبير، فقد كنت ارتب لمشاهدة الحفل أولا، ثم التجول في  المتحف نفسه والتمتع به، إلا أن حالة الفرح العارم التي سرت في الروح المصرية، في مقابل حالة السخط الضئيل التي تأكدت من سريانها في نفوس دعاة التدين والتأسلم المزيف، الذين حاولوا إثناء الناس عن الانخراط في السعادة والمباهاة بأول مشروع  قومي حقيقي يجمعهم، ولا يختلفون عليه - سبق ان اختلفوا على تفريعة القناة بعد أن اكتشفوا أنها غير مجدية، وأنشئت لرفع الروح المعنوية، والقصور الرئاسية الجدلية، وأكبر جامع وأكبر كنيسة، بجانب الاختلاف على ضرورة إنشاء المونوريل وإقامة  مدينة دمياط للأثاث! - وذلك بأن نثروا في وجوهنا جملًا شديدة السخف، تحرض على نبذ الاحتفال بالأوثان والأصنام وتنهى عن التشبه بالأجداد، الذين صنعوا هذه التماثيل التي حرمها الإسلام إلى آخره!

رد فعل الناس جاء تلقائيا، وكذلك أنا، ففي غمرة الأفراح تراجعت إلى فندق الذاكرة مصائب وويلات غلاء الأسعار وزيادة تعريفة الوقود، وتوابعها الفادحة، وبذكاء المصريين المعروف عاشوا اللحظة، ولسان حالهم يقول؛ "أحييني النهاردة و…."! وبلساني الخاص: موتوا بغيظكم، وهنا فكرت في كتابة مقالي عن مشروع المتحف القومي الكبير.

جملة مشروع قومي ليست مما يهز وجداني كثيرًا من فرط ابتذالها على مر السنين، ومن سخريات القدر مثلا، أن كاتبًا كبيرا في وزن الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصور في عصر مبارك، كتب في  افتتاحيتها  ذات يوم - ردا على من ينتقدون غياب المشروع القومي عند مبارك - "أليست المجاري والصرف الصحي مشروعا قوميًا"!

المنافقون اخوان الشياطين، وكما يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة: حكامنا اعتادوا على هذا المديح، وشعوبنا اعتادت على هذا النفاق"! كانت هذه الجملة المحورية - التي جرت على لسان عبدالله غيث - أساساً للعرض المسرحي المأخوذ عن مسرحية الوزير العاشق، والتي لعب "غيث" وسميحة أيوب بطولتها، ولمعت الفنانة عزة بلبع في هذا العرض الذي قدم على خشبة المسرح القومي.

المنافقون يملأون الفضاء الإعلامي، وهم أساس كل مفسدة، وأكبر كبائر الحكام، والحقيقة أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل كلنا مشروع منافق، إذا واتته الفرصة؟ لا نعرف.. لكن الحقيقة هي أنه مثلما كل عصر يستدعي أشراره، فهناك أخياره آيضا، وإن لم يكن لهم "حول ولا طول" كما يقولون. والأكثر سطوعًا من كل هذا، هو أن هذا الشعب الهائل العدد، قد يسخر البعض منه بقولهم "العدد في اللمون"، ولكننا لم ندرس جيدًا لماذا يختار الوقوف في هذا الموقف ومتي وكيف يعبر عنه، رغم أنه يعرف ويثق أنه لا يليق به! ثم يأتي في لحظة معينة فيتخلى عن هذه المواقف والأوصاف التى تلصق به، ويدهش الجميع بإدراكه لمسؤولياته الحضارية، فينسف هذه الأفكار كليًا، وهنا يفاجيء المراقبين والمتابعين بأنه يدرك قيمة متحف كهذا المتحف الكبير الجامع الشامل لما يناهز مائة ألف قطعة أثرية، ويلقي في سلة " الزبالة" دعوات متسلفين ومتأخونين ومزيفي الإسلام السياسي، ويسمو على دعواتهم المريضة بأنه لايجوز التعلق بالماضي وأوثانه، بل إمعانا في الرفض ترتدي النساء والرجال - باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي - الثياب والأزياء الفرعونيّة، ويمسكون بمفتاح الحياة والقلائد والتيجان المذهبة، في إصرار على تذكير هؤلاء بأن هذه هي حضارتنا وتاريخنا، وبعض سماتنا.. فـ"موتوا بغيظكم".

كما أن هذا الشعب الذكي لم يمعن في التنكر لمن كانوا أصحاب الفضل في التفكير في المشروع، مثل وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، والذي وإن كان تاريخه في ممالأة السلطة كبير إلى حد اعتباره المثقفين والمبدعين مجرد "حيوانات" سعى لإدخالهم حظيرة الدولة، وللأسف وجد كثيرون فيها ما لذ وطاب من أعلاف، إلا أن الناس في الأغلب لم تنكر أنه صاحب فكرة المشروع، ولم تتنكر السلطة أيضا للوزير السابق للآثار زاهي حواس، فقد وزعت نسخا من كتابه عن توت عنخ آمون، وأهدت منه نسخا مطبوعة طباعة خاصة إلى كثير من قادة دول العالم، باعتبار الكتاب أهم وثيقة أرّخت لأحد أشهر الحكام المصريين في مصر القديمة .

"شعب مالوش حل، ومالوش كتالوج".. يعرف متى يكون عددًا في اللمون، ومتى يقول كلمته الأخيرة، كما فعل في يناير ٢٠١١.. مقاوم عنيد ومبتكر في أساليب المقاومة، ومن هنا يرد الناس على كاتب مثل عز الدين شكري فشير الذي اتهم المصريين بانهم لم يقاوموا المحتل الإنجليزي بالسلاح واكتفوا بنضال التظاهر السلمي والخطب الرنانة، ليرد عليه المهتمون بالتاريخ بأنه قال كذبًا، ويهدون اليه وقائع من التاريخ وبالأسماء، مثل هذه  السيدة المصرية التي كانت تحمل القنابل والبنادق في "مشنة "الفجل والجرجير، وتخبئها وسطها، حتى يأتي زوجها أو مقاوم آخر من زملائه من المصريين فيلقي إليها بكلمة السر، فتعطيه المسدس أو القنبلة، وذكر زملاء - أعتذر عن عدم تذكر اسمائهم - قرأوا عنها وعن بطولات زوجها ما يطيح بافكار "شكري فشير" الفشار إلى أقرب سلة مهملات! بل يذكرنا هذا بالمخرج الشاب الفنان مروان حامد الذي استلهم من حكايات المقاومة المصرية المسلحة زمن الاحتلال الإنجليزي قصة فيلمه الرائع "كيرة والجن"، اللذان دوخا ببطولاتهما الإنجليز، فقد قتلوا منهم من قتلوا وأحرقوا العديد من مخازن السلاح والذخيرة وكامبات الإنجليز (من هو "كيرة"؟ هو البطل أحمد عبد الحي كيرة طالب الطب الذي انخرط في أعمال فدائية ضد الإنجليز، وأما "الجن" فهو عبد القادر شحاته أحد أعضاء التنظيم السري المشارك في ثورة ١٩١٩)

المتحف الكبير مشروع قومي، ليت مكرم محمد أحمد رحمه الله كان بيننا، لربما أعاد النظر في اعتباره مجاري مبارك وصرفه الصحي مشروعًا قوميًا، ولكني أود أن أنفذ من فكرة المشروع إلى التذكير بعدة أمور:

مرة أخرى يفرض قانون حرية المعلومات نفسه علينا ونطالب بوضعه موضع التشريع، فلا يصح أننا لا نعرف التكلفة الحقيقية لمشروع كهذا (نقل عن زاهي حواس أنه تكلف ملياري دولار، وأن مليارًا منها كان منحة يابانية، وذكر الكاتب الصحفي عادل حموده في حديثه عن المتحف في قناته على اليوتيوب (من حقك تعرف) أن المشروع واجه عثرات في التمويل، وأن البداية كانت الاعتماد على تبرعات داخلية بمبلغ ١٥٠ مليون دولار، و١٠٠ مليون أخري من جهة خارجية، وجرت مخاطبة الطليان الذين كانوا وعدوا بالتمويل حال قيام مصر بتنفيذ المشروع، ثم غسلوا أيديهم منه (!) فكان الاتجاه إلى اليابانيين الذين قرروا دعم المشروع، وطبقا لحمودة فإن ثورة يناير عطلت إنجاز المشروع، وكان مقررا افتتاحه في ٢٠١٣، ثم أسند للهيئة الهندسية، التي حاولت التغلب على مصاعب التمويل بعد الثورة،  فكان أن خفضت ميزانيته من مليار وستمائة مليون دولار إلى أقل من ٦٥٠ مليونا تقريبًا، لكن التعويم أدى لارتفاع التكلفة من جديد، والتي حددها عادل حموده في برنامجه بمبلغ مليار دولار! نقرأ  لمحمد الباز تأكيدًا بان التكلفة تبلغ مليارًا، ونقرأ لآخرين مبالغات تقول بأن  التكلفة أكبر، وهكذا.. فبين هؤلاء وبين زاهي حواس فجوة معلوماتية تبلغ قيمتها مليارا من الدولارات فأيهم نعتمد الرقم الذي أورده؟

والحقيقة انه حتى لو تكلف  ضعف هذا الرقم فنحن مع انفاق هذا المبلغ، لأنه يتوج حضارتنا ويعتني بتاريخنا ويحفظه لآلاف السنين، لكن في النهاية "من حقك تعرف" كم بلغت التكلفة! ومن الغريب والعجيب أن الحكومة تعتبر مثل هذه الأمور من الأسرار التي لايجوز إفشاؤها، تماما كموضوع رفضها مناقشة موازنتها العامة أمام مجلس النواب وهو خطأ فادح!  

لم أفلح في استخدام الذكاء الاصطناعي، لأرتدي حلة فرعونية أجمل وأشيك من حلة السادات الشهيرة، ولكني أفلحت في ضبط نفسي فرحًا مع الشعب الذي تخلى عن فلسفته "الليمونية" إياها، ورد بقوة وبقسوة على دعاة نبذ التشبه بالفراعنة لأن التشبه بهم  حرام، ويا لسخريات القدر أن يكتب نفر منهم  بوستات يقول فيها: إن من تشبه بقوم فهو منهم! هههههه هيّا بنا نقصف رؤوس تماثيل المصريين القدماء،  فلايجوز لنا أن ننتمي إلى حضارتهم او نتشبه بهم! هيّا بنا نلعب!
---------------------------------
بقلم: محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار | هيّا بنا نلعب .. ونحطم تماثيل المصريين القدماء!